ايبلا مدينة أثرية سورية قديمة كانت حاضرة ومملكة عريقة وقوية ازدهرت
في شمال غرب سورية في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وبسطت نفوذها على المناطق الواقعة بين هضبة
الأناضول شمالا وشبه
جزيرة سيناء جنوبًا، ووادي الفرات شرقًا وساحل
المتوسط غربًا، وأقامت
علاقات تجارية ودبلوماسية وثيقة مع دول المنطقة والممالك السورية
ومصر وبلاد الرافدين، كشفت عنها بعثة أثرية إيطالية من جامعة روما يرأسها عالم الآثار باولو ماتييه كانت تتولى
التنقيب في موقع تل مرديخ قرب بلدة سراقب في محافظة إدلب السورية على
مسافة نحو 55 كم جنوب غرب مدينة حلب في سوريا. منذ بداية الستينات وفي موقع
تل مرديخ شمال سوريا وحسب الدلائل التاريخية شرعت البعثة
الإيطالية في أعمال تنقيب منظمة في هذا الموقع للكشف عن المملكة القديمة إيبلا،
وفي عام 1964 م في موقع تل مرديخ، وكان ذكر
إيبلا قد ورد أول مرة في وثائق تعود إلى عصر شروكين الأكدي / سرجون الأول / سرجون
الأكادي، مؤسس
الإمبراطورية الأكادية (2340 - 2284) ق.م، ويُفهم من
أحد النصوص أن الإله دجن أعطى شروكين المنطقة
الممتدة من مدينة ماري على الفرات وسط
سوريا حتى جبال الأمانوس على ساحل
البحر الأبيض المتوسط، وكان يدعى البحر الأعلى. وظلت البعثة الإيطالية تقوم بالحفريات في تل مرديخ عدة سنوات قبل أن
تعرف اسمه القديم عام 1968 م، حتى عثرت على تمثال من البازلت لأحد ملوك إيبلا المدعو إيبيت - ليم
بن إغريش - خيبا، المهم فيه
وجود كتابة مسمارية باللغة الأكادية مؤلفة من 26
سطرًا على الجزء العلوي من صدر التمثال. تقع هذه الكتابة في قسمين غير متساويين يتضمن الأول تقديم نذر
(جرن للتطهر) إلى الالهة عشتار، ويتضمن
الثاني وَقف تمثال الملك للإلهة عشتار. وقد بينت هذه الكتابة أن الاسم القديم لهذا
الموقع هو إيبلا، لورود كلمة إيبلا مرتين في النص، مرة صفة ومرة اسمًا. كما أن كشف
المحفوظات الملكية في هذا الموقع في عامي 1974 م و1975 م لم يدع مجالا للشك في أن مملكة إيبلا الوارد ذكرها تقوم
في موقع تل مرديخ. كانت تسكن إيبلا آنذاك مجموعات من
الآموريين والحوريين، كذلك يرد ذكر إلهة إيبلا في قائمة للآلهة تعود إلى هذه الحقبة. ويضاف إلى
ذلك أن إيبلا تذكر في المصادر الحيثية والحورية والمصرية ووثائق
مملكة ماري، مرة في كل منها، في حين لايرد ذكرها في نصوص
أوغاريت. وقد أسفرت الحفريات التي تمت في تل مرديخ حتى
عام 1973 م عن كشف قطع من ألواح طينية
مسمارية إلى جانب الكتابة التي على تمثال الملك إيبيط - ليم. وفي الأعوام التي تلت ذلك عثر
على عدة مجموعات من المحفوظات وتحتل
النصوص التاريخية والحقوقية في هذه المحفوظات المرتبة الثانية من حيث الأهمية. وهي تشمل
الأوامر والمراسيم الملكية والرسائل والتقارير الحربية والمعاهدات. وأهمها
المعاهدة التجارية بين إبلا وآشور، كما تشمل النصوص الحقوقية مجموعات
قانونية وعقود ميراث وبيع وشراء. وتليها في الأهمية النصوص المعجمية التي تدل
على مكانة إبلا الثقافية والحضارية، ومن بين تلك النصوص المعجمية قوائم
الرموز المسمارية ونصوص القواعد والمعاجم ثنائية اللغة (باللغتين السومرية
والإبلوية)، وهي أول المعاجم الثنائية اللغة المعروفة في التاريخ. وتحتل
النصوص الأدبية المركز الرابع في هذه المحفوظات وهي تشتمل على عشرين
أسطورة على الأقل، وبعضها من عدة نسخ، وعلى ترنيمات وابتهالات للآلهة تلقي
ضوءًا جديدًا على المعتقدات الدينية في المشرق في الألف الثالث قبل
الميلاد. تدل الآثار التي كشف عنها في مملكة إبلا على أن
أقدم استيطان لهذه المنطقة كما يرى ماتييه حدث في القرن الأخير من الألف الثالث قبل
الميلاد، أي في العصر السوري الباكر الثاني (2400 - 2250 ق.م) وفي هذا
العصر بلغت مدينة إبلا أوج تقدمها وازدهارها، واتسعت اتساعًا كبيرًا،
فشملت على ما يبدو مساحة تقدر بنحو خمسين هكتارًا، وكانت تتألف من قسمين:
قسم مرتفع (الأكروبول) للإدارة والعبادة،
ومدينة سفلى محاطة بأسوار. وكان القصر الملكي البناء الرئيس للمدينة في هذه الحقبة، وهو
يمتد إلى المنطقة الجنوبية والجنوبية الغربية من الأكروبول. وقد بدأت
البعثة الإيطالية عام 1974 بالتنقيب في القسم الإداري منه، الذي يقع في الجهة الغربية، ويتضمن
البلاط الكبير مع مدخل معمّد
وقاعة للاستقبال فيها منصة لعرش الملك مبنية من الآجر المجفف بالشمس |